للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مالك كابن القاسم ونحوه يرابط (١) بالثغور المصرية.

والطريقة الثانية: يجوزون الرباط بثغور الشام ونحوها بما فيه قتال النصارى. فكان عبد الله بن المبارك يَقْدَم من خُراسان فيُرابط بثغور الشام، وكذلك إبراهيم بن أدهم ونحوهما، كما كان يُرابِطُ بها مشايخ الشام كالأوزاعي وحذيفة المرعَشي ويوسف بن أسباط وأبي إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين وأمثالهم. وكان المسلمون قد فتحوا قبرص في خلافة عثمان، وبقيت تحت حكمهم أكثر من ثلاثمائة سنة. وكانت "سِيْس" ثغر المسلمين، و"طَرَسُوس" كانت من أسماء الثغور، ولهذا تُذْكَر في كتب الفقه المُصَنَّفة في ذلك الوقت، وتولى قضاءها أبو عبيد الإمام وصالح بن أحمد بن حنبل وغيرهما.

وكان ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهم يقولون: إذا اختلف الناسُ في شيء فانظروا ما عليه أهل الثَّغْر، فإن الحق معهم؛ لأن الله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (٢).

وبالجملة إن السَّكَن بالثغور والرِّباط والاعتناء به أمر عظيم، وكانت الثغور معمورة بخيار المسلمين علمًا وعملاً، وأعظم البلاد إقامة بشعائر الإسلام وحقائق الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان كل من أحب التبتل للعبادة والانقطاع إلى الله وكمال الزهد والعبادة والمعرفة يدلُّونه على الثغور.


(١) كذا في الأصل بصيغة الإفراد.
(٢) سورة العنكبوت: ٦٩.