الصحبة، إلى أن قال:(فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) التطليقة الثالثة (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) حاملاً كانت أو غيرَ حاملٍ.
قلتُ: أما كونُ الطلاق في الجاهلية وفي أول الإسلام كان بغير عددٍ، يُطلِّق الرجلُ المرأةَ ما شاءَ ثمَّ يراجعُها، فهذا مشهور معروف، قد ذكره عامة العلماء، ولا فرق في ذلك كان بين الحامل وغيرها.
ولم يكن في الجاهلية عِدَّة ولا عدد للطلاق، وأنزلَ الله العدَّةَ أولاً، فكان الرجل المضارّ يُطلِّقها، حتى إذا لم يَبقَ من العدّة إلاّ قليلٌ راجعَها، ثمَّ يُطلِّقها، فتَستأنِفُ العدة، فيُمهِلها، حتى إذا بقي منها قليلٌ طلَّقها، ثمَّ كذلك يفعل، حتى يبقَى دائمًا يُطلّقها ثمَّ يراجعها، فأنزل الله الثلاثَ. وكان له أن يرتجعَها بعد الطلاق الثلاث إذا كانت في العدة، سواءً كانت العدة حملاً أو قروءًا، كما ذكر هؤلاء. ولم يكونوا إذ ذاك أُمِرُوا بالطلاقِ للعدة، فإنه إذا كان يملك أكثر من ثلاث أمكنَه تطويلُ العدَّةِ وإضرارُها وإنْ طلَّقها للعدَّة، ولكن لمّا قُصِروا على الثلاث أُمِروا أن لا يطلقوا إلاّ للعدة، لتكون العدة عَقِبَ الطلاق، فلا يقع ضررٌ أصلاً.
وما ذكر من أن المرأة كانت تكتم الحمل تارة لبُغضِها للرجل، وتارة لئلاّ يُراجعها، وتقول: إني حبلى، وتكتم الحيض تارةً لحبّها له، ليمسكها، وأنّ رجلاً طلق امرأته ولم تُعلِمْه أنها حاملٌ، فهو يوافق ما ذكرناه من أنها قد تكتم الحمل حين الطلاق.
وقولهم:"إن هذا في الحمل، وكان هذا في أول الإسلام"، فمعناه أنه في أول الإسلام لما كان الطلاق بغير عدد، ولم تكن هناك سنة وبدعة، كانت المرأة تتمكَّنُ من كتمان الحمل تارةً وكتمان الحيض، ودعوى الحمل تارةً، لهواها في الحالين. فلمّا صار الطلاق