والثاني: من جهة عوده إلى الخالق، حتى يصح أن يكون محبوبًا لله مرضيًّا محمودًا مفروحًا به، وإلا فنفسُ تَنعُّم هذا العبد وتعذب هذا العبد، وصلاح هذا وفساد هذا، سواءٌ بالنسبة إلى الله من جهة الخلق والمشيئة والتكوين، فلابد أن يكون لأحدهما إلى الله إضافة وتعلق ونسبة بها يكون محبوبًا له، مرضيًّا مفروحًا به، محمودًا مثنيًّا على أصحابه، ويكون الآخر مسخوطًا عليه، ممقوتًا مبغضًا، ونحو ذلك، وراء ما يلحقه من العذاب.
وهذا الفرق هو حقيقة الدين، وسرّ الأمر والنهي، وغاية التكليف الشرير، ومقصود الرسالة والكتاب، ولهذا تكلم الناس في علة خلقه للخلق، ثم أمره بالدين.
فقال فريق: إنه فعل ذلك لنفع الخلق ومصلحتهم، وزعموا أن هذا وجه حسن الفعل والأمر، وإن لم يكن هذا واقعًا بالجميع ولا عائدًا منه حكم إلى الفاعل، وهذا قول المعتزلة وغيرهم من القدرية، ثم التزموا على هذا مسائل التعديل والتجوير، والتحسين والتقبيح بالقياس الفاسد على الخلق، واضطربوا فيه اضطرابًا لا ينضبط.
وقد يوافق بعض أهل السنة -من أصحابنا وغيرهم- هؤلاء في بعض المسائل التي لا تخالف الأصول المشهورة في السنة، وعارضهم كثير من متكلمة الإثبات للقدر، الذابين عن السنة في مواضع كثيرة، فقالوا: لا يجوز تعليل شيء من ذلك، بل خلقَ وأمرَ لمحض المشيئة، وصِرْف الأرادة، ولا يجوز تعليل ذلك بمصلحة العباد ونفعهم، ولا غير ذلك.