من قال: لا يجمعون، كما يقوله كثير من أصحاب الشافعي.
والقول الثالث: إنهم لا يَقصرون ولا يجمعون، كما يقوله كثير من أصحاب الشافعي وبعض أصحابِ أحمد. وهو أضعف الأقوال المخالِفة للسنة المعلومة من وجهين.
والذين قالوا: يَقصُرون، منهم من قال ذلك لأجل النسك، كما قال مالك وبعض أصحاب أحمد. ومنهم من قال ذلك لأجل السفر، كما قال ذلك كثيرٌ من السلف والخلف، وهو قول بعض أصحابِ أحمد، وهو أصحُّ الأقوال.
وكذلك جَمْعُهم، فإنّ من العلماء من قال: جمعُهم لأجلِ النسك، كما يقولُه أبو حنيفة وغيرُه فلم يُجوز الجمع إلا بعرفةَ ومزدلفة خاصةً. والجمهور قالوا: بل الجمعُ كان لغير النسك، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وهؤلاء منهم من قال: الجمعُ كان لأجل السفر، ومن قال: الجمعُ يجوز لأهل مكة، [ومن] قال: يجوز الجمعُ في السفر الطويل والقصير، ومن قال: لا يجوز الجمعُ إلا في الطويل. وهما وجهانِ في مذهب الشافعي وأحمد.
والصواب أن كلَّ واحدٍ من القصر والجمع لم يكن لأجل النسك، بل كان القصرُ لأجل السفر فقط، وأما الجمعُ فلأجل الحاجة أو المصلحة الشرعية، وذلك أن القصر يدور مع السفر وجودًا وعدمًا، والقصر معلقٌ به بالنصّ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله وضعَ عن المسافر الصومَ وشطْرَ الصلاة". وهو حديث حسن ثابتٌ من رواية أنس بن