لعبادته، ومعلوم أن عبادته تتضمن كمال محبته بكمال الذلّ له، فهي متضمنة كونه هو المراد المقصود المحبوب المعبود.
فإذا كان قد خلقهم لعبادته، وذلك يتضمن أنه أمرهم بها وأحبَّها ورضيَها وأرادَها إرادةَ شرعٍ، فمعلوم أنّ محبة الوسيلة تبعٌ لمحبة المقصود، فمن أحبَّ محبة محبوب ومُحِبِّي محبوبٍ، كانت محبته لذلك المحبوب هي الأصل، وكانت ثابتة بطريق الأولى، وكان إنما أحبَّ أن يُحبَّ، وأحبَّ محبته لكونه محبوبًا له، وكان ذلك فرعًا لهذا الأصل.
ولهذا كانت محبة المؤمنين لما يحبه الله من الأعمال والأشخاص، والحب لله، والبغض دئه، والحب في الله، والبغض في الله، كل ذلك تبعٌ وفرعٌ على محبتهم لله، فإذا أحبوه أحبوا ما أحبه هو من الأعمال والأشخاص، إذ محبوب المحبوب محبوب، وبغيض المحبوب بغيض. وكذلك محب المحبوب محبوب، ومبغض المحبوب مبغض، فالمؤمنون يحبون ربهم، وكانت محبتهم لما يحبه الله ولما يحب الله فرعًا وتبعًا لمحبتهم له، والله تعالى يحبهم ويحب ما يحبونه وما يحبهم، حتى قال أبو يزيد: إن الله لينظر إلى رجال في قلوب رجال، وينظر إلى رجال من قلوب رجال.
فالأول: حال من أحبه المؤمنون، فينظر الله إلى قلوبهم، فيجد فيها أولئك المحبوبين.
والثاني: حال من أحب المؤمنين (١)، فينظر إليهم من قلوب