للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الرسول: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (١)، فقد عُلِمَ أن حكم المعية هنا ومقصودها ليس عامًا لجميع المخلوقات كالعلم والقدرة، بل مختصًّا بالمتقين المحسنين (٢) دون الفجار الظالمين، وبموسى وهارون دون فرعون وقومه، وبالنبي وصديقه دونَ مشركي قومِه. فهذه الأمور التي فيها خصوصٌ وعمومٌ تضمَّنها لفظ المعية ودلَّ عليها، كما دلَّ لفظ العلم والسمع والبصر على ما تقدم، وهي في نفسها تقتضي من المصاحبة والمقارنة ما هو معناها في الأصل، ولا تقتضي ممازجة ولا مخالطة ولا تيامنًا ولا تياسرًا.

بل إذا قيل: إنها تتضمن قُربَه من خلقِه، فقربُه ثابت بنصوصٍ صريحة أصرح من لفظ المعية، كقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (٣)، وقو له تعالى: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠)) (٤). وفي الصحيح (٥) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لأصحابه لما كانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير: "أيها الناس! ارْبَعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته". وهو سبحانه قريب في عُلُوِّه عليٌ في دُنُوِّه.

وقد تكلمنا على قربه من خلقه وقربِ عبادِه منه بكلام مبسوط،


(١) سورة التوبة: ٤٠.
(٢) في الأصل: "المسبحين". والتصويب من السياق.
(٣) سورة البقرة: ١٨٦.
(٤) سورة سبأ: ٥٠.
(٥) البخاري (٦٣٨٤ ومواضع أخرى) ومسلم (٢٧٠٤) عن أبي موسى الأشعري.