للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كانت العبادةُ تبقى ببقاءِ معبودِها فكلُّ معبودٍ سوى الله باطل، فلا تَبقَى النفسُ، بل تَضلُّ وتَشْقَى بعبادةِ غيرِ الله شقاءً أبديا، كما قال تعالى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (١). إنما كان بقاؤها ببقاءِ معبودِها لأنها مريدةٌ بالذات، فلابُدَّ لها من مُرادٍ محبوبٍ هو إلهها الذي تَبقَى ببقائِه، فإذا بَطَلَ بَطلَتْ وتَلاشَى أمرُها، وما ثَمَّ باقٍ إلاّ الله. والأفلاكُ وما فيها كلُّه يَستحيلُ، والملائكةُ مخلوقون يَستحيلون، بل ويموتون عند جمهور العلماء.

والعبدُ ينتفع بما خُلِقَ بشيء من حيث هي من آيات الله له فيها، فهي وسيلة له إلى معرفة الله وعبادته، ولو كان العلمُ هو الموجب لما يَطلُبه هؤلاءِ لكانَ هو العلم بالله، فإنه هو الحق، وما سِواه باطل، ومَن له مِن مخلوقاتِه فالعلمُ به تابع للعلم بالله، والعلمُ الأعلى هو العلم بالأعلى. كما قال: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)) (٢)، فهو ربُّ كلِّ ما سِواه، فهو الأصلُ، فكذلك العلم به سيِّدُ جميع العلوم وهو أصلٌ لها.


(١) سورة الحج: ٣١.
(٢) سورة الأعلى: ١.