للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنهم كذَّبوا الرسُلَ فاستحقُّوا العذابَ، ودَلَّ على أنهم لم يكونوا يعقلون، وأنهم لو عَقَلُوا لصَدَّقوا الرسُلَ.

فلمّا كانَ السلفُ عالمينَ بحقائق الأدلة العقلية والسمعية وأنها متلازمة، عَلِمُوا أنه يَمتنعُ أن تكون متعارضة، فإنّ الأدلةَ القطعية اليقينية يَمتنِعُ تعارضُها، لوجوب ثبوتِ مدلولها، فلو تعارضتْ لَزِمَ إمّا الجمعُ بين النفي والإثبات، وَإمّا رَفْعُهما. والنقيضانِ لا يجتمعانِ ولا يرتفعانِ. لكن جاءَ بعدَهم من أهل الكلام مَن قَصَّرَ في معرفةِ ما جاء به الرسولُ وما يُوجبُه النظَرُ المعقولُ، فظَنُّوا في أقوالِ الربِّ وأفعالِه في مسألة حدوثَ العالَمِ وغيرِها ظُنونًا مُخطِئةً، ليستْ مطابقةً لخبرِ الرسُلِ ولا لموجب العقلِ، وصارَ يَظُنُّ من لا يَعرِف دينَ الرسُلِ أن هذا هو دينُهم، ورأوا في ذلك ما يُناقِضُ صريحَ العقلِ.

فكان هذا من أسبابِ اضطرابِ الناسِ في أمر الرسُلِ:

فطائفة تقول: إنما جاءوا في العلوم الإلهية بطريقِ التخييل وخطابِ الجمهور.

وطائفة تقول: بل جاءوا بطريقٍ لا يَدُلُّ على المقصود، بل يُشْعِرُ بنقيضِه، ليَعرِفَ الناسُ الحقَّ بأنفسِهم لا من جهة الأنبياء. ثمّ يتأوَّلون ما قالتْه الأنبياءُ على ما عندهم.

وطائفة تقول: فيما جاءت به الأنبياءُ متشابه لا يَعلَم معناه لا الأنبياءُ ولا غيرُهم، ظَنُّوا أنَّ الوقفَ على قوله (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) (١)، وأنه إذا كان الوقفُ على هذا فالمرادُ بالتأويلِ صَرْفُ اللفظِ


(١) سورة آل عمران: ٧.