للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الإرادة عامةُ التعلُّقِ بجميع الكائنات- دليل على أن باب أحدهما ليس هو باب الآخر.

وهذا بَيِّنٌ معقولٌ ببرهانٍ لمن تأمله، وهو دليل عقلي على ثبوت هذه الصفات، كما كان أصلُ التخصيصِ دليلاً على ثبوت الإرادة.

ويُقال لمثبتي التعليل من القدرية: عندكم أن جميع هذه الصفات تعود إلى معنى النفع والإضرار، فإن مصلحة العباد والإحسان إليهم وغير ذلك هو عندكم نفعهم، وضد ذلك إضرارهم، فعَطَّلتم صفاتِ الله من هذا الوجه، ولكم في الإرادة من الاضطراب ما هو مذكور في غير هذا الموضع.

ثم تزعمون أنه إنما خلق وأمر لنفع الخلق، فيقال لكم: وأي فرق بالنسبة إليه، نَفَعَهم أو لم ينفعهم؟ فإن جعلتم ذلك قياسًا على الخلق، فالخلق إنما يحسُنُ منهم نفع بعضهم لبعض، لأن النافع يعود إليه من نفعه مصلحة له، وإلا فحيث لا مصلحة له في ذلك، لا يكون نفعه حسنًا.

ويقال لكم أيضًا: النافع من الخلق يختلف حاله، بين ما قبلَ أن ينفع وبعدَ ما ينفع، فيُكسِب نفسَه بذلك صفةَ كمالٍ له، يُدرِك ذلك من نفسه، ويُدرِك ذلك الخلقُ منه، فنفسُ السخي الجواد أكمل وأشرف وأعظم من نفس البخيل الجبان، كما قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)) (١)، وقال: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ


(١) سورة الشمس: ٩، ١٠.