للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهؤلاء قد يَرَوْنَ سقوطَ الأمرِ والنهيِ عنهم، فتكون العامة خيرًا منهم، لكن يُمَيَّزُون عن العامة بأن الجمع لهم حالًا وشهودًا، بخلاف العامة، فإنّ لهم إيمانًا وإقرارًا، وهذا لا يقع لوجهين:

أحدهما: أنهم كاذبون في دوام شهودهم الجمع والعمل به؛ إذ لابدّ من الفرق حسًّا وعقلًا، وذوقًا وشرعًا.

الثاني: أن صحة الإيمان مع الغفلة والسَّهْوِ خيرٌ من ذِكْرٍ وشهودٍ يَصحَبُه فساد الإيمان.

وقد يقول أحدُهم: إنّ المحبّة والتوكل ونحو ذلك من مقامات العامة السائرين في منازل الشرع إلى عين الحقيقة، وهذه الحقيقة التي انتهوا إليها هي الربوبيةُ العامةُ المطلقةُ التي أَقرَّ بها المشركون.

لكنْ كثيرٌ من هؤلاء لا يقولون بالجمع إلا مع تمييز بعض الواجبات من بعض، فيميّز بين ما يأمر به هو وينهى عنه من نفسه، لكن لا يميّز في شهوده ذلك.

وربما تأوَّلُوا قولَه تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩]. وظنُّوا أن المقصود من العبادة أن يحصل له يقينٌ بالربوبية العامة ونحو ذلك، فلا يحتاج حينئذٍ إلى العبادة.

وهذا ضلالٌ باتفاق أهل العلم والإيمان، فإنّ اليقينَ هو الموت وما بعده، كما قال الحسن البصري: "لم يجعل الله لأجلِ المؤمن غايةً دون