الصلاة لأجلِ الجهاد. وأما من أمرَ بفعل الصلاة وتفويت الحج فهو يقول: لا يَخرُج عن الإحرام بذلك، بل ينتقلُ عن الحج إلى العمرة. وهذا ضعيفٌ، فإنّ ذلك لا يجوز مع القدرة بحالٍ.
ومن العلماء مَن جَعَلَ فِعلَ الصلاةِ يوم بني قُريظةَ من الصحابة فِعْلَ اجتهادٍ، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يُسوِّغ الفعلينِ جميعًا حتى جَعَلَهم مُخيَّرين، ولكن لما اجتهدوا أقرَّ كلاًّ منهما على اجتهاده. وجعلوا هذا الحديث أصلاً في تقرير المجتهدين على اجتهادهم. وهذا وإن كنتُ قد ذكرتُه في بعض كلامي قبلَ هذا ففيه نظرٌ، لأن المجتهدين إنما يُقَرُّون إذا عُدِمَتِ النصوصُ، فلو كان هذا من باب الاجتهاد لكان أحدهما هو المصيب دونَ الآخر، فكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَوِّبُ فِعْلَ إحدى الطائفتين ويَعذُر الأخرى، لا يُسَويّ بين الطائفتين التي اختصَّتْ إحداهما بالإصابة في مواردِ الاجتهاد.
والمقصود الكلامُ على "الوُسطَى"، وأنها مما قد يشتغلُ عنها الأنبياء والصالحون، كما نَسِيَها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن نَسِيَها من أصحابه يومَ الخندق، وكما نَسِيَها سليمانُ يومَ عُرِضتْ عليه الخيلُ. فتخصيصها بالأمر بالمحافظة عليها مناسبٌ، كما هو قول أهل الحديث والسلف.
ويليه قولُ من قال: إنها الفجر، فإنه أيضًا قولُ طائفةٍ من الصحابة والعلماء المتبوعين. والفجر أحق الصلوات بذلك بعد العصر، فإن هاتين الصلاتين بينهما من الاشتراك الذي اختصَّا به ما ليس لغيرهما من الصلوات، كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الصحيح (١): "لَن يَلِجَ النارَ