للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصوارف السوء كانت منتفية، وإنما صُرِفَ عنه السوء والفحشاء بإخلاصه، وترك ما همَّ به لما رأى برهان ربه. وهَمُّهُ الذي تركَه كُتِبَ له به حسنات كاملة، ولو تساوت القضيتان لكان هو أفضل، فكيف وبينهما من الفرقان ما لا يخفى إلا على العُميان؟

وكثير من المؤمنين يُطلب منه الفاحشة، ويراودُه من يراوده ويمتنع، لكن لا تجتمع معه هذه الأمور ولا يكون معهودًا هذا الضمير (١)، ولا يصبر على حبس بضع سنين= يختار ذلك على فِعل ما طُلب منه في خلوة عن الوطء لم يمتنع عن مقدماته، ويوسف صرف الله عنه السوء والفحشاء فلم يفعل كبيرة ولا صغيرة، ولا أَمَرَتْهُ نفسُه بسوء، بل كان ممن رحم الله، فلم تكن نفسُه أمَّارةً بسوءٍ، بل امرأة العزيز هي التي كانت نفسها أمَّارة بالسوء؛ فإنها راودته، وقَدَّتِ القميص، وكَذَبَتْ عليه، واستعانت بالنساء ثم حبسته، ولهذا قالت: (أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) (٢) أي: في مغيبته عني.

وقد بُسِطَ الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبُيِّنَ أن قوله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) هو من تمام كلام امرأة العزيز، وكما دلَّ على ذلك القرآن في غير موضع (٣).


(١) كذا في الأصل.
(٢) سورة يوسف: ٥١ - ٥٢.
(٣) انظر "مجموع الفتاوى" (١٥/ ١٣٨ - ١٥٦)، ففيه رسالة للمؤلف في هذا الموضوع، ولكنها ناقصة الأول.