للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباس وابن عمر وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو (١)، فهؤلاء أفتوا فيمن أوقع الثلاث جملة أن تقع. واشتهر ذلك عند عامة العلماء حتى ظنه من ظنَّه إجماعا، وصار نقيضُ ذلك يُحكَى عن أهل البدع كالرافضة، ولهذا لمّا ذُكِر هذا القولُ عن الرافضة لأحمدَ قال: قولُ سوء، أو نحو ذلك.

قيل: أما المنقول عن عمر رضي الله عنه فظاهره أنه عاقبَ الناسَ بإيقاعِها جملة لما أكثروا من فِعْلِ ما نُهُوا عنه، ولهذا قال: إن الناس قد أسرعوا في أمرٍ كانت لهم فيه أناةٌ، فلو أنّا أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم.

والذين أفتوا بذلك من الصحابة رأوا رأيَ عمر في ذلك، وألفاظهم تَدُلُّ على أنهم فعلوا ذلك عقوبةً لمن فَعَلَ ما نُهِيَ عنه، كقول ابن مسعود لما سُئِل عمن طلَّق ثلاثًا: أيها الناس! مَن أتى الأمرَ على وجهِه فقد بُيِّن له، وإلاّ فوالله ما لنا طاقة بكل ما تُحدِثون. وفي لفظٍ: من أتى بدعةً ألزمناه بدعتَه. فعُلِم أن هذا كان عنده ممّا نُهُوا عنه، فألزمَهم به. وكذلك ابن عباس قال لمن طلَّق ثلاثًا: إنك لو اتقيتَ الله لجعلَ لك فَرَجًا ومخرجًا، ولكنّك لم تتق اللهَ فلم يجعل لك فرجًا ومخرجًا. وكذلك عبد الله بن عمر يقول: إذا فعلتَ ذلك فقد عصيتَ الله وبانت منك امرأتك. ومثل ذلك كثير في كلامهم، يَذُمُّون فاعلَ ذلك مع إيقاعهم به الثلاث. وهذا يقتضي أن فاعلَ ذلك كان مذمومًا عندهم مع إيقاع الثلاث به.

وقد كان للصحابة رضي الله عنهم اجتهاد في أنواع من العقوبات


(١) سبق تخريج هذه الآثار فيما مضى.