للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خيبر قَدِمَ عليه أبو موسى والأشعريون، وفي تلك المدة أسلم أبو هريرة. ولما أنزلَ اللهُ عليه هذه الآية (لِيَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذنبك وَمَا تَأخَّرَ) قال له الناسِ: يا رسولَ الله! هذا لك، فما لنا؟ فأنزل الله تعالى (هُوَ الذي أَنزلَ اَلسكينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزدَادواْ إِيمُانا مع إيمانهم) (١).

وفي هذا ردٌّ على طائفةٍ من الناس - كبعض المصنِّفين في السِّيَر وفي مسألة العصمة - يقولون في قوله (ليَغفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَمَ مِن ذَنبك): وهو ذنبُ آدم، (وَمَا تَأَخرَ) ذنبُ أمتِه، فإن هذا القولَ وإن كان لم يَقُلْه أحدٌ من الصحابة والتابعين ولا أئمة المسلمين، ولا يقولُه من يَعقِلُ ما يقول، فقد قاله طائفة من المتأخرين (٢)، ويَظُنُّ بعضُ الجهال أن هذا معنى شريف، وهو كذب على الله وتحريفُ الكَلِم عن مواضعه، فإنه قد ثبت في الصحاح (٣) في أحاديث الشفاعة أن الناسَ يومَ القيامة يأتون آدمَ يَطلبون منه الشفاعةَ، فيعتذِرُ إليهم ويقول: إني نُهِيْتُ عن الشجرة فأكلتُ منها، نفسي نفسي، ويأتون نبيًّا بعد نبي إلى أن يَأتوا المسيحَ، فيقول: ائْتُوا محمدًا فإنه عبد قد غفرَ اللهُ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فلو كانت "ما تقدم" هو ذنب آدم لم يعتذر آدم.


(١) سورة الفتح: ٤.
(٢) حكاه المفسرون عن عطاء الخرساني، انظر تفسير البغوي (٤/ ٣٠٠) و"المحرر الوجيز" (١٥/ ٨٨) والقرطبي (١٦/ ٢٦٣) والخازن (٦/ ١٥٧).
(٣) البخاري (٤٧١٢ ومواضع أخرى) ومسلم (١٩٤) عن أبي هريرة.