للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فلما نزلتِ الآية قالت الصحابةُ: هذا لكَ فما لنا؟ فأنزل الله: (هُوَ اَلَّذِي أَنزَلَ السكينَةَ في قُلُوبِ اَلمُؤْمِنِينَ)، فلو كان "ما تأخر" مغفرة ذنوبهم لقال: هذه لكم.

وأيضًا فقد قال تعالى: (وَاَستَغْفِر لِذَنبِك وَلِلمُؤمِنِينَ وَالمؤمناتِ) (١)، ففرَّقَ بين ما أضاف إليه وما يُضاف إلى المؤمنين والمؤمنات.

وأيضًا فإضافةُ ذنبِ غيره إليه أمرٌ لا يَصْلُح في حق آحادِ الناس، فكيف في حقَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ حتى تُضَاف ذنوبُ الفُسَّاق من أمته إليه، ويُجعلَ ما جعلوه (٢) من الكبائر - كالزنا والسرقة وشرب الخمر - ذَنْبًا له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والله يقول في كتابه: (وَلَا تزِرُ وَازِرَةٌ وزرَ أخُرَى) (٣)، ويقول في كتابه: (وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالحاَتِ وَهُوَ مُؤمِن فَلَا يَخَافُ ظُلما ولَا هَضمًا (١١٢)) (٤)، قالوا (٥): الظلم أن تُحْمَل عليه سيئات غيرِه، والهَضْم أن يُنْقَصَ هو من حسناتِه، وهو أفضلُ من عَمِلَ من الصالحات وهو مؤمن، فكيف تُحْمَلُ عليه سيئاتُ غيرِه وتُضَافُ إليه؟ وأيُ فرقٍ بين ذنبِ آدمَ وذنب نوح والخليل وكلُّهم آباؤه؟ وأيُّ فرق بين ذنب الإنسان وذنب غيرِه (٦) حتى يُضاف إليه هذا دونَ هذا؟ والله يقول: (أَم لَم يُنبّأ بما في


(١) سورة محمد: ١٩.
(٢) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب "فعلوه" كما يظهر من السياق.
(٣) سورة الأنعام: ١٦٤، سورة الإسراء: ١٥، سورة فاطر: ١٨، سورة الزمر: ٧.
(٤) سورة طه: ١١٢.
(٥) انظر تفسير الطبري (١٦/ ١٥٩) و"الدر المنثور" (٥/ ٦٠١).
(٦) في الأصل: "غيرانه".