للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم هؤلاء إذا أُوذوا على الحق فرجعوا عنه، ثم تابوا وجاهدوا في سبيل الله قَبِلَ الله ذلك منهم، قال تعالى لما ذكر المرتدّين طوعًا وكرهًا: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١١٠].

فمن حصل له إيمانٌ وطاعة، ففتَنه شياطينُ الإنس والجنّ حتى رجع عن ذلك، ثم إنه هاجر فهجرَ تلك السيئات، ثم جاهدَ العدوَّ، وصبرَ على الإيمان والطاعة فلم يرجع، وصبرَ على ظلم الظالم له، ثم إنه هجرَ ما له من المباحات للّهِ ليُتِمَّ إيمانَه، فهذا أعلى. قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: ٤١ - ٤٢].

فهَجْرُ السيئاتِ فرضٌ على كل أحد، وهجرُ المباحات من الوطن والأهل والمال إن لم يَتمَّ الواجبُ إلا به كان واجبًا، وإن لم يتم المستحبُّ إلا به كان مستحبًّا. ولهذا تجب الهجرةُ على من يُمنَع من الواجبات وتُستحبُّ لغيره. وفي الصحيحين (١) أن أعرابيًّا سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الهجرة، فقال: «ويحَكَ! إن الهجرة شأنُها شديد، فاعملْ من وراء البحار، فإن الله لن يَتِرَك من عمِلك شيئًا».


(١) البخاري (٢٦٣٣، ٣٩٢٣) ومسلم (١٨٦٥) عن أبي سعيد الخدري.