وقد قال الله تعالى:{إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[التوبة: ٣٤].
وقال ابن المبارك (١):
وهل أفسدَ الدينَ إلا الملوك وأحبارُ سوءٍ ورُهْبانُها
فالأمراء من الملوك وأتباعهم يقولون لِما أَحدثوه: سياسة، ويقولون:«شرع وسياسة». والعلماء المتكلمون يقولون: عقليات وكلام، ويقولون:«العقل والشرع». والعبَّاد والفقراء والصوفية يقولون:«حقيقة وشريعة». وسياسة هؤلاء وعقليات هؤلاء وحقيقة هؤلاء أعظم قدرًا في صدورهم من كتاب الله وسنة رسولِه حالًا أو حالاً واعتقادًا.
وبإزائهم قوم من الفقهاء والمحدثين والعبَّاد والعامّة ينتسبون إ لى الكتاب والسنة والشرع، وهم لا يعلمون من ذلك ما يُحتاج إليه، بل فيهم من الجهل بحقائق ذلك أو التقليد لبعض رؤسائهم ما أوجب نقصَ الكتاب والسنة والشريعة في قلوب أولئك. فتقصيرُ هؤلاء وعدوانُ أولئك كان سببًا لذهاب ما ذهبَ من الدين، وظهورِ ما ظهر من البدع. والله أعلم.
(١) انظر: شعب الإيمان (٧٣٠٠) وجامع البيان العلم وفضله (١/ ٦٣٨) والاستذكار (٢/ ١٨٤) وتفسير القرطبي (٨/ ١٢٠) وسير أعلام النبلاء (١٢/ ٢١٣). وتمثل به ضمن أبيات: إبراهيم بن أدهم كما في تاريخ دمشق (٦/ ٣٣٦، ٣٣٧) والبداية والنهاية (١٣/ ٥٠٩).