للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبيَّن أن كلَّ من كان بالأسباب أشدَّ تعلُّقًا ورجاءً كان عن رحمة الله بشفاعة الشفعاء وغيرها أبعَد، وكلَّ من كان لله أعظمَ إخلاصًا وعليه أشدَّ توكُّلًا كان أولى برحمة الله بشفاعة الشفعاء وغيرها؛ فإن الأسباب جميعها كالشفاعة ليست مستقلَّةً مُوجِبة، ومع هذا فالله خالقُها وربُّها.

وأعظمُ الأسباب التي يرجو بها العبد رحمة الله: العمل الصالح، والدعاء، والشفاعة، ومع هذا فالثلاثة بمنزلة الأسباب التي ليست من فعل العباد، من جهة أنها من جملة مخلوقات الله ومصنوعاته وما سبَّبه من الأسباب، ومن جهة أنها غيرُ مُوجِبةٍ ولا مستقلَّة.

فلذلك وجب أن لا يتوكَّل العبد إلا على ربِّه، ولا يتَّخذ من دونه وليًّا ولا شفيعًا.

قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} الآية [الأنعام: ٥١]، وقال: {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة: ٤].

فليس للعباد وليٌّ يتولى أمورهم دونه، ولا شفيعٌ يعينُهم على أمورهم دونه.

ولهذا قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ