للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١)، فمن لم يعلم التحريمَ حتى أوقعها، ثمَّ لما علم التحريمَ تابَ والتزمَ أن لا يعود إلى المحرَّم، فهذا لا يستحق أن يُعاقَب. وليس في الأدلة الشرعية - الكتابِ والسنة والإجماع والقياس - ما يوجب لزومَ الثلاث له، ونكاحُه ثابت بيقين، وامرأتُه محرَّمة على الغير بيقينٍ. وفي إلزامه بالثلاث إباحتُها للغير مع علمه، وذريعة إلى نكاحِ التحليل الذي ذمَّه الله ورسولُه.

ونكاح التحليل لم يكن ظاهرًا على عهد رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه، ولم يُنقَل قَطُّ أنّ امرأةً بعد الطلقة الثالثة أعيدت إلى زوجها بنكاحِ تحليلٍ على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعهد خلفائه، بل لعنَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلِّل والمحلَّل له، ولعنَ آكلَ الربا ومُوكِلَه وكاتبَه وشاهدَه (٢). ولم يذكر في التحليل الشهود ولا الزوجة ولا الولي، لأنّ التحليل الذي كان يُفعَل كان مكتومًا، يَقصِده المحلِّل ويتواطأ عليه هو والمطلِّقُ والمرأةُ ووليُّها، لا يُعلَم قَصدُهم، ولو عُلِمَ لم يَرْضَ أن يُزوِّجَه، فإنه من أعظم المستقبحات والمستنكرات عند الناس.

فلما لم يكن على عهدِ عمرَ تحليلٌ، ورأى أنّ في إنفاذِ الثلاث زجرًا لهم عن المحرَّم، فَعَلَ ذلك باجتهادِه رضي الله عنه. أما إذا كان الفاعل لا يستحق العقوبة، وإنفاذُ الثلاث يُفضِي إلى وقوعِ التحليل المحرَّم بالنصّ والإجماع - إجماع الصحابة - والاعتبار، وغيرِ ذلك من المفاسد، لم يَجُزْ أن تزالَ مفَسدة بمفاسدَ أغلظَ منها، بل جَعْلُ الثلاثِ واحدةً في مثل هذه الحال - كما كان على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر - أولى.


(١) سورة الطلاق: ٢ - ٣.
(٢) سبق تخريج هذا الحديث.