للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمَنْ أفسدوا عليه دِينَه ودُنْياه، كما يَفعل الرُّهبانُ والقسِّيسونَ بعَوامِّ النصارى، وهذا شيءٌ لم يَبْعَثِ الله به نبيًّا ولا قاله رجلٌ صالح قط، ومَن كان مِن الناس قد ذهب عقلُه حتى صار مجنونًا فقد رُفِعَ القلَم عنه، كما قال النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رُفِعَ القلمُ عن الصبيِّ حتى يبلُغ، وعن النائِم حتى يستيقِظَ وعن المجنون حتى يُفِيقَ" (١).

وينبغي أن يُعالَجَ هذا بما يُعالَجُ به المجانين، فإنَّ الجُنُونَ مَرَض من الأمراض أو عارض من الجنّ، ومِن هؤلاء قوم لهم قلوبٌ فيها تأله وإنابةٌ إلى الله تعالى ومحبة له وإعراض عن الحياة الدنيا، قد يُسَمَّونَ "عُقَلاء المَجَانِين"، وقد يُسَمَّون "المُوَلهين" فهم كما قال فيهم بعضُ العلماء: "قومٌ أعطاهم الله عُقُولاً وأحوالاً فسلَب عُقُولَهم وأبقى أحوالَهم، فأسْقَطَ ما فَرَضَ بما سَلَبَ".

فالمجانين كالعُقَلاء فيهم مَن فيه صَلَاحٌ، وفيهم مَن لا صَلَاح له.

وسَبَبُ جُنُونِ أحدِهم: إمَّا وارِد وَردَ عليه من المحبة أو المخافة أو الحُزْنِ أو الفَرح حتى انْحَرفَ مِزَاجُه. أو خَلْط غَلَبَ عليه من السَّوداءِ. أو قَرِين قُرِنَ به من الجِنِّ.

فهؤلاء إذا صحَّ أنهم مجانينُ ومولَّهونَ كانوا في قسم المعذورين الممنوع (٢) على الفساد، ولا يحلُّ الاقتداءُ بِمَن فيه منهم صلاح؛


(١) أخرجه أحمد (٦/ ١٠٠، ١٠١، ١٤٤) والدارمى (٢٣٠١) وأبو داود (٤٣٩٨) والنسائي (٦/ ١٥٦) وابن ماجه (٢٥٤١) عن عائشة وفي الباب عن علي.
(٢) كذا في الأصل.