ولقد صدق في قوله: إن حسنها وقبحها لمعنى قام بها، وصدق أن ذلك قد يُدْرَك بالعقل، وقد يدرك بالشرع.
وقد غَلِطَ الأول في نفيه أن يكون ذلك لما فيه من جلب منفعة إلى العبد ودفع مضرة راجعة إلى نفسه، وإن كان ذلك في الدار الآخرة أيضًا، فإن ذلك أمر محسوس.
والثاني غَلِطَ حيث اعتقد أن ذلك ليس لصفة في الفعل، وأن الحُسن والقُبح ليس إلا مجرد إضافة الفعل إلى الأمر والنهي، فأصاب بعض الإصابة في كونه جعل ذلك من الملاءمة للطبع والمنافرة عنه، ومن باب كمال المتصف بذلك ونقصه، ولكن غلط في ظنه أن الحُسن والقُبح العقليين صادرَيْن (١) عن ذلك، ولم يَغلَطْ كل الغلط، فإن الحُسن والقبح الذي يُدرك بالحس وبالعقل وبالشرع، وبالبصر والنظر والخبر، بالمشهور الظاهر وبالباطن، وبالمعقول القياسي وبالأمر الشرعي= هو في الأصل من جنس واحد، فإن كلاًّ يُعْلَم بذلك ويثبت به ما لا يُعلم بالآخر ويثبت به.
وهذه الطرق الثلاثة: السمع، والبصر، والعقل، هي طرق العلم: فالبصر -وهو المشهود الباطن والظاهر- يدرك ما في هذه الحركات والإرادات من الملاءمة والمنافرة، والمنفعة والمضرة العاجلة.
والسمع -وهو وحي الله وتنزيله- يخبر بما يَقْصر الشهود عن إدراكه من منفعة ذلك ومضرته في الدار الآخرة.