للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدٌ أغيرَ من الله، وما أحدٌ أحبَّ إليه العذرُ من الله" (١)، فأخبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه ليس أحد يحب أن يُمدح ويعذر مثل ما يحب الله ذلك، ولا أحد أصبر على أذاه وأغير على محارمه من الله، فالممدوح بإزاء المعذور يمدح على إحسانه، ويعذر على عدله وعقوبته، والصبر بإزاء الغيرة، يصبر على أذى خلقه له، ويَغَارُ أن تُرتكب محارمه.

وعن هذا خُلُق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قالت عائشة: "ما انتقمَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطُّ لنفسه، إلا أن تُنتَهك محارمُ الله، فإذا انتُهِكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله" (٢). فهذا صبر الرسول على ما يؤذي، وهذا غيرته وانتقامه لمحارم الله.

وفريق رابع يقولون: إنه فعل ذلك ليُحمَد ويُشكَر ويُمجَّد، أعني خَلْقَه سبحانه للخلق، كما دلت عليه النصوص في مثل قوله تعالى: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣)، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٤)، وقوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥)، وقوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) (٦)، وقوله: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) (٧)، وقوله: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ


(١) أخرجه البخاري (٧٤١٦) ومسلم (١٤٩٩) من حديث المغيرة بن شعبة.
(٢) أخرجه البخاري (٦٨٥٣) ومسلم (٢٣٢٧).
(٣) سورة الذاريات: ٥٦.
(٤) سورة البقرة: ٢١.
(٥) سورة المائدة: ٨٩.
(٦) سورة البقرة: ١٥٢.
(٧) سورة لقمان: ١٤.