للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الاختلاف في امتحانهم في البرزخ يُشبه الاختلاف في امتحانهم في العرصة، وقولُ من يقول بامتحانهم أقرَبُ إلى النصوص والقياس من قولِ مَن يقول: يُعاقَبون بلا امتحان.

المسألة السادسة

أن غير المكلَّف قد يُرحَم، فإن أطفالَ المؤمنين مع آبائهم في الجنة، كما دلَّ عليه قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) الآية (١)، وكما في الصحيحين (٢) من حديث أبي هريرة وأنس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "احتجَّت الجنَّةُ والنارُ، فقالتِ الجنةُ: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين؛ وقالت النار: يدخلني الجبّارون المتكبرون. فقال الله للجنة: إنما أنتِ رحمتي أرحمُ بكِ مَن شِئتُ، وقال للنار: إنما أنتِ عذابي أعذِّبُ بكِ من شِئتُ، ولكلِّ واحدة منكما مِلْؤُها". فأما النار فلا يزال يُلقَى فيها وتقول: "هل من مزيد"، حتى يضع ربُّ العزَّة فيها -وفي روايةٍ: عليها- قَدَمَه، فيَنزوي بعضُها إلى بعضٍ وتقولُ: قَط! قَط. وأما الجنَّة فيَفضُل فيها فَضْلٌ، فيُنشِئُ اللهُ لها خلفا آخر". فهذا الحديث المستفيض المتلقَّى بالقبولِ نصٌّ في أنَّ الجنَّة يُنْشَأُ لها في الدار الآخرة خَلْق يدخلونَها بلا عمل، وأنّ النارَ لا يدخلُها أحدٌ بلا عملٍ.

وقد غَلِطَ في هذا الحديث المعطِّلةُ الذين أوَّلوا قوله "قدمه" بنوع من الخلق، كما قالوا: الذين تقدَّم في علمِه أنهم أهل النار. حتى قالوا


(١) سورة الطور: ٢١.
(٢) البخاري (٤٨٥٠، ٧٤٤٩) ومسلم (٢٨٤٦) عن أبي هريرة. أما حديث أنس فبغير هذا اللفظ، أخرجه البخاري (٤٨٤٨، ٦٦٦١، ٧٣٨٤) ومسلم (٢٨٤٨).
ويوافق حديثَ أبي هريرة حديثُ أبي سعيد الخدري الذي أخرجه مسلم (٢٨٤٧).