للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنفسه عالم قادر، وكلُّ ما يعلمه العباد فهو من تعليمه وهدايته، وما يقدرون عليه فهو من إقدارِه. وهو سبحانه وتعالى كما قال: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيء من علمِه إلا بما شاء) (١)، وهو الذي خلق فسوى، وقدر فهدى. وإذا كان ما للعباد من علم وقدرة فمنه امتنع أن يحصل له منهم علم أو قدرة، فإن ذلك يستلزم الدور القبلي، إذا كان المعلم المقدر لغيره يمتنع أن يكون علمه وقدرته منه.

وأيضًا فمن جعل غيرَه عالمًا قادرًا كان أولى أن يكون عالمًا قادرًا، قال تعالى: (قُلْ مَن يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر فسيقولون الله فَقُل أفلا تتقون (٣١) فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون (٣٢)) إلى قوله: (قُل هَل مِن شركائكم من يهدى إلى الحق قل الله يهدِى لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِىَ إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتبع أَمن لا يَهِدِّى إلاّ أَن يُهدَى فما لَكم كيَف تَحكمون (٣٥)) (٢). فقوله: (أَفَمَن يَهْدِىَ إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتبع أَمن لا يَهِدِّى إلاّ أَن يُهدَى) فيه قراءتان مشهورتان (٣): الإدغام "يهدِّي"، وأصله يهتدي، فسكنت الياء، وأدغمت في الدال بعد أن قُلِبتْ دالاً، وأُلقِيتْ حركتها على الهاء. فأكثر القراء يفتحون الهاء، ومنهم من يسكنها، ومنهم من يختلس. والقراءة الأخرى بالتخفيف "يَهْدِي"، ثم قيل: إنه فعل متعدي، أي يهدي غيره، وقيل: بل فعل لازم، أي يهتدي، وحكوا "هَدَى" بمعنى اهتدى، وأنه يستعمل لازمًا ومتعديًا. وهذا أصح، والمعنى: أفمن يهدي إلى الحق أحقُّ أن يتبع أم من لا يهتدي


(١) سورة البقرة: ٢٥٥.
(٢) سورة يونس: ٣١ - ٣٥.
(٣) انظر: "زاد المسير" (٤/ ٣٠). وفي تفسير القرطبي (٨/ ٣٤١ - ٣٤٢) ست قراءات.