للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا سألني بعض الأمراء مرةً: أيُّما أفضلُ: إيصالُ الحق إلى ربِّه أو دفعُ غيرِ ربِّه عنه؟ فقلت: أفضله هو المقصود لنفسه بالقصد الأول، وهذا مقصود لغيره بالقصد الثاني. وكذلك الورع ونفي البدع وكل ما ينفى في الاعتقاد والأقوال أو في الإرادات والأفعال، إنما يُطلَب به تحقيقُ الموجود والمقصودِ من ذلك ونفيُ الفساد عنه. ولذلك كان أهل السنة والورع أصلح اعتقادًا وعملاً من غيرِهم لنفي الفساد، مع ما يستلزم ترك الباطل من الحق الموجود والمقصود.

وأما الدليل فلابدَّ في كل دليل عقلي ــ وهو القياس الشمولي المشتمل على المقدمتين ــ من إيجابٍ وعموم، إمّا مجموعًا في مقدمةٍ وإمّا مفرقًا في المقدمتين، ولذلك كان لا قياسَ عن سالبتينِ ولا جزئيتين. فعُلِمَ أنه لابدَّ في كل دليلٍ من علم وجودي إحَاطِيٍّ، وإلّا فالعلم العدمي لا يُنتج وحدَه، ولو اجتمع منه مقدماتٌ، فلا يكون وسيلةً إلى مطلوبٍ بحالٍ.

فثبتَ أن العلم بالسلوب لا يَستقلُّ في المسائل والأحكام، ولا في الوسائل والأدلة، بل هو مفتقرٌ إلى العلم بالوجود فيهما، فمن كان الغالب على علمه وكلامه النفي والسلب كان الغالب ما لا يفيد، لا مقصودًا ولا وسيلة، ومن غلبَ على كلامه الإثباتُ والإيجاب كان الغالب عليه هو المفيد مقصودًا ووسيلةً. وهذا كلامٌ شريف برهاني، والذوق يُصدِّقُه والوجود يُحقِّقه.