للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في قوله عليه السلام: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلاّ أنتَ" (١).

قد اشتمل هذا الحديثُ من المعارف الجليلة ما استحق لأجلها أن يكون سيد الاستغفار، فإنه صدَّرَه باعترافِ العبدِ بربوبية الله، ثم ثنَّاها بتوحيد الإلهية بقوله: "لا إله إلا أنت". ثمَّ ذكر اعترافَه بأن الله هو الذي خلقَه وأوجدَه ولم يكن شيئًا، فهو حقيقٌ بان يتولَّى تمامَ الإحسان إليه بمغفرةِ ذنوبه، كما ابتدأ الإحسانَ إليه بخلقه.

ثمَّ قال: "وأنا عبدك"، اعترفَ له بالعبودية، فإنّ الله تعالى خلقَ ابنَ آدم لنفسه ولعبادتِه، كما جاء في بعض الآثار: "يقول الله تعالى: ابنَ آدم! خلَقت لنفسي، وخلقتُ كل شيء لأجلِك، فبحقي عليك لا تشتغلْ بما خَلقتُه لك عما خلقتك له".

وفي أثرٍ آخر: "ابنَ آدمَ! خلقتك لعبادتي فلا تلعبْ، وتكفَّلتُ لك برزقِك فلا تَتْعَبْ. ابنَ آدم! اطلُبني تجدْني، فإن وَجدتَني وَجدتَ كل شيء، وإن فُتكَّ فَاتَكَ كل شيء، وأنا أحبُّ إليك من كل شيء".

فالعبد إذا خَرَج عما خلقه الله له من طاعتِه ومعرفتِه ومحبتِه والإنابةِ إليه والتوكُلِ عليه، فقد أبقَ من سيِّدِه، فإذا تاب إليه ورَجَع إليه فقد راجعَ ما يُحِبه الله منه، فيفرح الله بهذه المراجعة. ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخبِر عن الله (٢): "للهُ أشدُّ فَرَحًا بتوبةِ عبدِه مِن واجد راحلته


(١) أخرجه البخاري (٦٣٠٦) عن شداد بن أوس.
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٠٨) ومسلم (٢٧٤٤) عن ابن مسعود.