للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجودي، لكن لم يقم بقلبه حقيقة الإيمان، وإن كان قد دخل فيهم منادي الإيمان، إذ تكلموا به، وكان له أثر في قلوبهم، فهذا- والله أعلم- حال الموصوفين في سورة البقرة والمنافقين، فإنه قال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)) (١) فأخبر أنهم في الحقيقة لم يؤمنوا، وأن في قلوبهم مرضًا، والمرض يكون ريبًا وشكًّا. وأخبر أنه إذا قيل لهم: (آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ) (٢)، وأخبر أنهم يوافقون في الظاهر المؤمنين، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزؤون، ثم أخبر عنهم (٣) بما يقتضي ردتهم عن هُدًى حصل لهم، فهذا- والله أعلم- يقتضي أنهم في أول الأمر حصل لهم أمر ناقص، لا يستوجبون به حقيقة الإيمان، كما ذكر عن الأعراب، ولكن لو استمروا على اتباع الحق قوي إيمانهم، فرجعوا عن ذلك الهدى ونافقوا المؤمنين.

والنفاق ينقسم إلى أكبر وأصغر، ومن تدبَّر حالَ كثير من أئمة الضلال- من المتفلسفة والقرامطة والباطنية، ومن فيه شُعَبٌ من ذلك من الجهمية والرافضة ونحوهم- وجدَهم على ذاك الحال، فإنهم يتناقضون، فيقرون بالحق وينكرونه، ويعرفونه ثم ينكرونه، ولهذا يجمعون في كلامهم بين ما هو من قول المؤمنين، وبين ما هو من قول الكفار الجاحدين، كالذي يكون مسلمًا، ثم يتفلسف وينافق شيئًا بعد شيء، كالقرامطة الذين كان أولاً فيهم إسلام، وإن كانوا مبتدعة من


(١) سورة البقرة: ٨.
(٢) سورة البقرة: ١٣.
(٣) في الأصل: "انهم".