للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقال: هي لم تكن كذلك، وليس في ذلك ذمٌّ لها (١)؛

فإن هذا عملٌ مباح، وقد كان يفعله طائفةٌ من خيار هذه الأمة، كعبد الله بن سَلَام (٢)، وأبي هريرة (٣)، وسلمان الفارسي (٤)، مع كونهما كانا أميرَين، وكذلك ثبت في الصَّحيح أن أهل الصُّفَّة كانوا يحتطبون (٥)، وفي الصَّحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لأن يأخذ أحدكم حبلَه على ظهره فيحتطبَ خيرٌ له من أن يسأل الناسَ، أعطَوْه أو مَنَعُوه" (٦).

* وإما أن يكون مثلًا لنميمتها في الدنيا، فيكون وصفًا لعملها السَّوء؛ فإن كلام النمَّام يُوقِدُ القلوبَ، ويُضْرِمُ النار فيها، كما يفعلُ الحطبُ في النار، فتكون حمَّالةً لحطب القلوب والنفوس.

وهذا قد يقال: إن غايتَه أن يكون نِمَامةً، وذنبُها أعظمُ من ذلك. وقد قال: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، وحملُ النميمة لا يوصفُ بذلك.


(١) ضعَّفه بنحو ذلك الثعلبيُّ في "الكشف والبيان" (٣٠/ ٤٧٣).

وقال ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" (١٦٠): "وقال بعض المتقدمين: كانت تعيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفقر كثيرًا، وهي تحتطب على ظهرها بحبلٍ من ليفٍ في عنقها! ولست أدري كيف هذا؟! لأن الله عز وجل وصفه بالمال والولد".
(٢) أخرجه أحمد في "الزهد" (١٠٢٥) , والضياء في "المختارة" (٩/ ٤٥٤).
(٣) أخرجه أبو داود في "الزهد" (٢٨٤) , وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٣٨٤).
(٤) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (٤/ ٨١, ٨٢).
(٥) في "صحيح البخاري" (٤٠٩٠) من حديث أنس - رضي الله عنه - أن القراء من الأنصار كانوا يحتطبون في النهار, وفي "صحيح مسلم" (٦٧٧) أنهم كانوا يحتطبون، ثم يبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة. وانظر: "مجموع الفتاوى" (١١/ ٤٤).
(٦) أخرجه البخاري (١٤٧٠) ومسلم (١٠٤٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.