للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يَبْطُل بذلك حَجُّه، فأنْ لا يَبْطُلَ بتركِ ذلك لصلاة العصر أولَى وأحرى. ودَلَّتْ هذه السنة الثابتة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن الجمع يكون للحاجة والمصلحة الشرعية، فلما لم يكن لمجرد السفر فلم يكن لمجرد النسك.

وقد أخذَ جمهورُ العلماء بالسنن الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمع، وأحمد أعظمُهم أخذًا بما وردَ كلّه، فإنه يُجوِّز الجمعَ للمسافر في وقت الثانية، كما ثبتَ في الصحيح. وأما الجمع للنازلِ في وقت الأولى كما رُوِي في السنن ففيه عنه روايتانِ: إحداهما الجواز كقول الشافعي، والثانية المنعُ كقولِ مالك. وهل المباحُ للسفر مختصٌّ للطويل؟ فيه وجهانِ في مذهب الشافعي وأحمد، ومذهبُ مالك أنه لا يختصُّ بالطويل، وهو الصحيح الذي تدلُّ عليه الأدلةُ الشرعية. "وثلاثتُهم يُجوِّزون الجمع بين المغرب والعشاء، وأمّا صلاتا الظهر والعصر ففيهما نزاعٌ بينهم، وعن أحمد فيها روايتان. ومالك وأحمد يُجوِّزانِ الجمعَ للمريض، وهو قولُ طائفة من أصحاب الشافعي.

وجوَّز أحمد الجمعَ للمستحاضة، كما في الحديث الذي في السنن سنن أبي داود وابن ماجه والترمذي وصححه ورواه أحمد من حديث حَمْنَة بنت جَحْشٍ (١)، قالت: كنتُ أُستحاضُ حيضةً شديدةً، فأتيتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أستَفْتِيه، فقلتُ: إني أُستحاض حيضةً كثيرةً فما تأمرني فيها؟ فقد مَنَعَتْني الصيامَ والصلاةَ، قال: أَنْعَتُ لكِ الكرسُفَ، قالت:


(١) أبو داود (٢٨٧) وابن ماجه (٦٢٧) والترمذي (١٢٨) ومسند أحمد (٦/ ٤٣٩).