للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا بيانٌ واضح لأن المعرضَ عن آيات الله بتركِ الاستهداءِ بها يَعمَى ويُعَذَّب، ولا ينفعُه بَصَرُه وعقلُه. وبيَّن أن هذا الحقّ يَلْحَقُه وإن لم يكن مكذّبًا للرسل، لأنه علَّقه بمجرد الإعراض عن ذكره، وبيَّن أن ذلك نِسيانُ آياته التي هي تركها.

ثم قال: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ)، فمجردُ عدمِ الإيمان هو المؤثر وإن لم يكن ثَمَّ تكذيبٌ، فإنَّ للناس في الرسل ثلاثة أحوال: إمّا التصديقُ، وإمّا التكذيبُ، وإمّا عَدَمُهما. وكلّ واحد من التكذيبِ وعدمِ التصديق كفرٌ.

ولما كانَ الغالبُ على المعرضين عن هدى المرسلين الإعجابَ بآرائهم وبصائرِهم وعقولهم، والاستخفافَ بأتباعِهم، قال سبحانَه عن قومِ هود: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٢٦)) (١). فأخبرَ سبحانَه أن السمعَ والبصرَ والفؤادَ لا يُغنِي مع الجحود بآياتِ الله.

ومثل ذلك قوله سبحانَه: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) (٢). فأخبرَ أن المنذَرين


(١) سورة الأحقاف: ٢٦.
(٢) سورة غافر: ٨٣ - ٨٥.