للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما بالنهار فيكون عند الأب ليعلمه ويؤدبه. هذا مذهب الشافعي وأحمد، وكذلك قال مالك، وهو يقول: يكون عندها بلا تخيير، للأب تعاهدُه عندها وأدبُه وبعثُه إلى المكتب، ولا يبيت إلا عند الأمّ.

قال أصحاب الشافعي وأحمد: وإن اختار الأب كان عنده ليلًا ونهارًا، ولم يُمنَع من زيارة أمّه، ولا تُمنَع الأمّ من تمريضه إذا اعتلَّ.

فأما البنت إذا خُيِّرتْ -فكانت عند الأم تارةً وعند الأب تارةً- أفضَى ذلك إلى كثرة مرورِها وتبرجها وانتقالِها من مكان إلى مكانٍ، ولا يبقى الأب موكلًا بحفظها ولا الأمّ موكلةً بحفظها، وقد عُرِف بالعادة أن ما تناوبَ الناسُ على حفظِه ضاعَ. ومن الأمثال السائرة: لا تصلح القِدرُ بين طبَّاختَيْن.

وأيضًا فاختيارُ أحدهما يُضعِف رغبةَ الآخر في الإحسان والصيانة، فلا يبقى الأبُ تامَّ الرغبة في حفظها، ولا الأمّ تامةَ الرغبة في حفظها. وليس الذكر كالأنثى، كما قالت امرأة عمران (١) (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا) إلى قوله (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) إلى قوله (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ). فهذه مريم احتاجت إلى من يكفلها ويحضنها، حتى اقترعوا على كفالتها، فكيف بمن سواها من النساء؟

وهذا أمرٌ يُعرَف بالتجربة: أن المرأة تحتاج من الحفظ والصيانة إلى ما لا يحتاج إليه الصبي، وكل ما كان أسترَ لها وأصونَ كان أصلحَ لها.


(١) سورة آل عمران: ٣٥ - ٤٤.