للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولون (١): ما نعم به الكافر فهو نعمة تامَّة كما نعم به المؤمن سواء؛ إذ ليس عندهم لله نعمةٌ خصّ بها المؤمن دون الكافر أصلًا، بل هما في النِّعم الدينية (٢) سواء، وهو ما بيَّنه من أدلة الشرع والعقل، وما خلقه من القدرة والألطاف، ولكن أحدهما اهتدى بنفسه بغير نعمةٍ أخرى خاصة من الله، والآخر ضلَّ بنفسه بغير خذلانٍ يخصُّه من الله. وكذلك النعم الدنيوية هي في حقهما على السواء.

والذين ناظروا هؤلاء من أهل الإثبات ربَّما زادوا في المناظرة نوعًا من الباطل، وإن كانوا في الأكثر على الحق، فكثيرًا (٣) ما يردُّ مناظرُ المبتدعِ باطلًا عظيمًا بباطلٍ دونَه، ولهذا كان أئمة السنة ينهون عن ذلك، ويأمرون بالاقتصاد ولزوم السنة المحضة، وأن لا يُردَّ باطلٌ بباطلٍ دونَه، فقال كثير من هؤلاء: ليس لله على الكافر نعمة دنيوية، كما ليس له عليه نعمة دينية محضة، إذ اللذةُ المتعقبةُ ألمًا أعظمَ منها ليست بنعمة، كالطعام المسموم، وكمن أعطى غيرَه أموالًا ليطمئنَّ ثم يقتله أو يُعذِّبه.

قالوا: والكافر كانت هذه النعم سببًا لعذابه وعقابه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: ١٧٨]، وقال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦]، وقال: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ


(١) من هنا يبدأ الأصل.
(٢) في الأصل: النعيم الدنيوي، والتصحيح من هامشه.
(٣) في الأصل: «فكثير».