للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال فهذا أشبه من ادّعاءِ "باءٍ"، وما عليها دليل ولا تدعو إليها ضرورة.

قلتُ: وهذا لأن الشيطان يُخوِّف الناسَ أولياءَه تخويفًا مطلقًا، ليس له في تخويفِ ناسٍ [ضرورة]، فحذف الأول لأنه ليس مقصودًا. وهذا يسمى حذف اقتصار، كما يقال: فلانٌ يُعطي الأموال والدراهم.

وقد قال بعض المفسرين (١): إن المراد يخوّف أولياءَه المنافقين، ونُقِل هذا عن الحسن والسدِّي. وهذا له وجهٌ سنذكره، لكن الأول أظهر، لأن الآية إنما نزلت بسبب تخويفهم من الكفار. قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)) إلى أن قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ)، ثم قال: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)) (٢). فإنما نزلت فيمن خوَّف المؤمنين من الناس، وقد قال تعالى: (يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) ثم قال: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). والضمير عائد إلى أوليائه الذين قيل فيهم (فَاخشَوهُم).

وأما ذلك القول فالذي قاله فَسَّرها من جهة المعنى أن الشيطان إنما يخوِّف أولياءَه، وأما المؤمنون فهم متوكلون على الله لا يُخوِّفهم. أو أنهم أرادوا المفعول المتروك، أي يُخوِّف المنافقين أولياءَه، وإلاّ فهو يخوّف الكفار كما يخوِّف المنافقين. ولو أريد أنه يخوف أولياءه أي يجعلهم خائفين لم يكن للضمير ما يعود إليه، وهو قوله (فَلا تَخَافُوهُمْ).


(١) نقل عنهم الطبري (٤/ ١٢٢) وابن الجوزي في "زاد المسير" (١/ ٥٠٧).
(٢) سورة آل عمران: ١٧٣ - ١٧٥.