للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فهذا فيه نظرٌ، فإن الشيطان يَعِدُ أولياءَه ويمنِّيهم، كما قال تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) الآية (١)، وقال: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠)) (٢). ولكن الكفار يُوقع الله في قلوبهم الرعب من المؤمنين، والشيطان لا يختار ذلك، قال تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ) (٣)، وقال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) الآية (٤)، وقال: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) (٥). وفي حديث قريظة (٦) أن جبريل قال: إني ذاهبٌ إليهم فأُزلزِلُ بهم الحصنَ.

فتخويف الكفار والمنافقين وإرعابُهم هو من الله نصر للمؤمنين، ولكن الذين قالوا ذلك من السلف أرادوا أن الشيطان يخوِّف الذين أظهروا الإسلام وهم يوالونه من العدو، فإنما يخاف من الكفار المنافقون بتخويف الشيطان لهم، كما قال تعالى: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦)) (٧)، وقال تعالى: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) إلى قوله (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ) الآية (٨).


(١) سورة الأنفال: ٤٨.
(٢) سورة النساء: ١٢٠.
(٣) سورة الحشر: ١٣.
(٤) سورة الأنفال: ١٢.
(٥) سورة آل عمران: ١٥١.
(٦) انظر: "سيرة ابن هشام" (٢/ ٢٣٣، ٢٣٤).
(٧) سورة التوبة: ٥٦.
(٨) سورة الأحزاب: ١٨ - ٢٠.