وإذا كان كذلك فالمتكلِّمُ إذا تكلَّم بكلامٍ له لفظ ومعنى، وبُلِّغَ عنه بلفظِه ومعناه، فإذا قيل: مَا بلَّغَه المبلِّغُ من اللفظ إنّ هذا عبارة عن القرآن، وأرادَ به المعنى الذي للمبلَّغِ عنه= نَفَى عنه اللفظَ الذي للمبلَّغ عنه، والمعنى الذي قام بالمبلِّغ. فمن لم يثبتْ إلاّ القرآن المسموعَ الذي هو عبارة عن المعنى القائمِ بالذات، قيل له: فهذا الكلامُ المنظومُ الذي كانَ موجودًا قبلَ قراءةِ القُرَّاءِ هو موجود قطعًا وثابت، فهل هو داخلٌ في العبارةِ والمعبرِ عنه أو غيرُهما؟
فإن جَعلتَه غيرَهما بَطَلَ اقتصارُك على العبارة والمعبرِ عنه، وإن جعلتَه أحدَهما لَزِمَك إن لم تُثْبتْ إلاّ هذه العبارةَ والمعنى القائمَ بالذاتِ أن تجعلَه نفسَ ما سُمِعَ منَ القرّاء، فتَجعلَ عينَ ما بلغَه المبلِّغون هو عين ما سمعوه، وهذا الذي فررتَ منه.
وأيضًا فيقالُ له: القارئ المبلِّغُ إذا قَرأ فلابُدَّ له فيما يقوم به من لفظٍ ومعنى، وإلاّ كان اللفظُ الذي قام به عبارةً عن القرآن، فيجبُ أن يكون عبارةً عن المعنى الذي قامَ به، لا عن معنًى قامَ بغيرِه.
فقولهم "هذا هو العبارةُ عن المعنى القائم بالذات" أخطأوا من وجهين:
أخطأوا في بيان مذهبِهم، فإنَّ حقيقةَ قولهم: أنَّ اللفظَ المسموعَ من القارئ حكايةُ اللفظِ الذي عَبَّر به عن معنى القرآن مطلقًا، وذلك أنَّ اللفظ عبارةٌ عن المعنى القائم بالذات، ولفظُه ومعناه حكايةٌ عن ذلك اللفظ والمعنى.