للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشتهاه من الفروج والصور، وهذا يهوى ذلك، فيلزم فساد الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد. وهذا يهوى أن يُعظَّم ويُعبَد من دون الله حتى لا يفعل أحد مصلحته، بل لا يفعل إلا ما يهواه، وهذا كذلك. وأمثال هذا مما يطول عدُّه. وما من عاقل إلا ويعرف ذلك.

ولهذا اتفق العقلاء على أن بني آدم لا يعيشون جميعًا إلا بشرع يستلزمونه ولو بوضع بعض رؤسائهم، يفعلون ما يأمر به، ويتركون ما ينهى عنه، فإن تركهم بدون " ذلك مستلزم أن يفعل كل قادر منهم ما يهواه، وذلك يمنع بقاءهم، ويوجب فسادهم وهلاكهم، لأن أهواءهم وإراداتهم إذا لم تتعاونْ وتتناصرْ فإنها تتهاون تارة، وتتمانع تارة، وتتخاذل تارة، فإذا تهاونت فلم يُعِنْ هذا هذا، ولا هذا هذا، عجزوا عن مصالحهم التي لا بد لهم منها، فوقع الفساد، وإن تخاذلت فلم ينصر هذا هذا، ولا هذا هذا، لزم أن يستولي عليهم الحيوان الناطق والبهيم، بل ومن المؤذيات الجامدة ما يفسدهم ويهلكهم. وإذا تمانعت فلم يُمَكِّن هذا هذا من فعل ما يصلحه، ولم يُمكِّن هذا هذا من فعل ما يصلحه، لزم عجزهم عن جلب المنافع ودفع المضار. وإذا تغالبت فغلب هؤلاء هؤلاء تارة، وهؤلاء هؤلاء تارة، لزم فساد كل فريق إذا غُلبوا، بل وإذا غَلبوا أيضًا، إذا لم يكن لهم شرع يعتصمون به في تقاسم نفوس الأعداء وأموالهم، وأمثال ذلك.

وبهذا وأمثاله يتبين أن الدين والشرع ضروري لبني آدم، لا يعيشون بدونه، وقد بسطناه في غير موضع، لكن ينقسم إلى شرعِ غايته نوع من الحياة الدنيا وشرع فيه صلاح الدنيا فقط، وشرعٍ فيه صَلاح