أفضل القرون يعتريهم شيء من هذا، ولكن بعض من بعدهم ضعفت قلوبهم عن بعض ما يرد عليها من خوف أو غيره. فصار فيهم من يموت إذا سمع الآية، وفيهم من يُغشَى عليه. وهؤلاء معذورون مع الصدق والاجتهاد في اتباع الرسول، ويشكر الله لهم ما معهم من الإيمان والخوف الذي ..... (١)، وهو ما يحضّ على فعل الواجب وترك المحرّم، وأما الزيادة التي أوجب لهم الموت فحسبهم أن يكونوا فيها معذورين لا مأجورين، كالحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، فإذا اجتهد فأخطأ فله أجر.
ومن ظنَّ أن الميت من هؤلاء بسماع آية أفضل من شهداء بدر وأحدٍ ونحوهما، وجعل هؤلاء قتلى القرآن وشهداء الرحمن، وأولئك ماتوا بسيوف الكفار، فقد غلط غلطًا عظيمًا، فإن أولئك فعلوا ما أمروا به وقُتِلوا شهداء، فهم من أفضل ما خلق الله، وهؤلاء فعلوا مالم يؤمروا به، إمّا تعدّيًا للحدّ، وإمّا تفريطًا في الحقّ، فماتوا بهذا السبب موتًا ليس في سبيل الله ولا جهاد أعدائه، ولكن لضعف قلوبهم عما ورد عليها.
والله تعالى ما أنزل القرآن ليقتل به أولياءه، ولا ليُشْقِيهم به، بل ليهديهم وليَشْفِيَهم ويُنَوِّرهم، فهؤلاء ضلُّوا الطريق، ولهذا أنكرَ حالَهم من أدركهم من الصحابة، مثل ابن عمر وابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر وغيرهم، كما هو مبسوط في موضع آخر.
إذ المقصود هنا أنّ الرب تعالى هو الذي يُقيت عباده، ويغذيهم لأرواحهم وأجسادهم، وهو مستغنٍ عن عبادِه من كل وجهٍ، فهو