للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما غَلَطُ الناس فلعدمِ التمييز بين ما يُعقَلِ من النصوصِ والآثار، أو يُعقَل بمجردِ القياس والاعتبار، ثمَّ إذا خالط الظنَّ والغلط في العلم هَوَى النفوس ومُنَاها في العمل صارَ لصاحبِها نصيبٌ من قوله تعالى (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣)) (١).

وهذا سبب ما خُلِقَ الإنسانُ عليه من الجهلِ في نوع العلم، والظلمِ في نوع العمل، فبجهلهِ يتبع الظن، وبظلمِه يتبع ما تَهوَى الأنفسُ. ولمّا بعثَ اللهُ رسلَه وأنزلَ كُتبه لهدى الناسِ وإرشادهم، صارَ أشدُّهم اتباعًا للرسلِ أبعدَهم عن ذلك، كما قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)) (٢).

ولهذا صار ما وصفَ الله به الإنسانَ لا يَخصُّ غيرَ المسلمين دونَهم، ولا يَخصُّ طائفة من الأمة، لكن غير المسلمين أصابَهم ذلك في أصولِ الإيمان التي صارَ جهلُهم وظلمُهم فيها كفرانًا وخسرانًا مبينًا، ولذلك من ابتدعَ في أصولِ الدين بدعة جليلةً أصابَه من ذلك أشدُّ ممّا يُصيبُ مَن أخطأَ في أمرٍ دقيقٍ أو أذنبَ فيه، والنفوسُ لَهِجَة بمعرفةِ محاسنِها ومساوئ غيرِها.

وأما العالم العادل فلا يقول إلا الحقَّ، ولا يتّبعُ إلا إيَّاه، ولهذا من يَتَّبع المنقولَ الثابتَ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائِه وأصحابِه وأئمةِ أهلِ


(١) سورة النجم: ٢٣.
(٢) سورة البقرة: ٢١٣.