وقلنا ثالثًا: نحنُ قلنا: "هذه التأويلات باطلة"، أما كونُها سائغةً أو محرمةً فهذا لم نتعرضْ له في هذا الكلام، فقولكم "إن المعتبرين لم يمنعوا المعتبرين أن يتأولوا، وإنّ معتبرًا لم يُحرِّم التأويل الموصوف" كلامٌ لا يَمَسُّ كلامَنا ولا يُقابلُه، بل هو أجنبيٌّ عنه غيرُ متوجهٍ، فلا يستوجبُ الجواب. نعم، إن ادَّعيتم أن كل تأويل المتكلمين أو بعضه حق أو صوابٌ فهذا نقيضُ قولنا، ففَرقٌ بينَ صحةِ التأويل وفسادِه وبينَ حرمتِه وحِلِّيتِه، ألا تَرى أن الفقهاء في تأويلهم نصوصَ الأحكام يجوزُ لهم التأويلُ في الجملة، وإن كان كثيرٌ من تأويلِ بعضهم قد يَظهر أنه خطأ، كما يجوز للفقيه الاجتهادُ في الفتيا والقضاء، وإن كان قد يُحكَم ببطلان بعض الفتاوى والأقضية.
على أنّ من قال: كلّ مجتهدٍ مصيبٌ، لا يُمكِنُه أن يقول: كل متأؤل مصيبٌ، فإن المتأول يقول: الله أراد بهذه الآية كذا، والآخر يقول: لم يُرِد هذا، والنفيُ والإثبات لا يجتمعان، اللهم إلاّ أن يقول قائلٌ: إن الله أراد من زيد أن يفهم هذا، وأراد من عمروٍ أن يفهم هذا، وهذا في الأمور الاعتقادية ما يكادُ يقوله إلا من يخالفه جمهورُ الناس، وإن كان قد قاله في العمليات طائفة من المتكلمين.
فإن قلتم: أردنا بالمعتبرين من المتكلمين صِنفًا من الطوائف كالمتكلمين من أصحاب الأشعري مثلا، أو كافة المعتزلة أو المتكلمين من الفقهاء ونحو ذلك.
فالجواب عنه من وجوه:
أحدها: أنه ما من واحدٍ من هؤلاء إلاّ له تأويلاتٌ يُنكِرُها عليه