وكذلك إذا كان قد تبيَّن أن الشيئين لا يكون كل منهما للَاخر علة فاعلية، فكذلك ألا يكون، كل منهما للَاخر علة غائية، كما تقدم بيانه. وكذلك الشيء الواحد لا يكون علةً لنفسه، ولا معلولاً لنفسه، فلا يكون لنفسه علة فاعلية ولا علة غائية، فإن الأول يقتضي تقدمه على نفسه وتأخره عن نفسه، فيلزم أن يكون موجودًا معدومًا إذا قُدّر فاعلاً، وإذا قُدِّر مفعولاً، فيلزم اجتماع النقيضين مرتين. والعلة الغائية يجب تأخرها عن المعلول، فإذا كانت نفسه هي معلول نفسه لزم تاخرها وتقدمها، فيلزم أن يكون متأخرًا عن وجود نفسه ومتقدمًا على وجود نفسه، فيلزم أيضًا اجتماع النقيضين مرتين.
وأيضًا فالعلة الغائية متقدمة في التصور والقصد، فيلزم أن يكون تصور الفاعل وقصده له قبل ما يكون متصوَّرًا مقصودًا له، ويكون تصوره وقصده له بعد تصوره وقصده، لأنه يتصور أولاً ويقصد الغاية، ثم يتصور المفعول ويقصده، فإذا كان هو المفعول وهو الغاية، فيلزم اجتماع النقيضين أيضًا في التصور والقصد مرتين، وقد تقدم هذا.
وإنما المقصود هنا شيء آخر، وهو أنه كما يمتنع أن يكون الشيء علة لنفسه معلولاً له، أو أن يكون الشيئان كذلك، فيمتنع أيضًا أن يكون جزء علة أو شرط علة، فإن جزء العلة وشرطها يجب أيضًا أن يتقدم المعلول، كما يجب تقدم ذات العلة، فيلزم ما تقدم من الدور
=طريق أبي صالح عن أبي هريرة بنحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.