للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك بطل وجود الفعل، لأنه قد علم أن غيره لم يفعل شيئًا، فإذا كان على هذا التقدير هو أيضًا ليس برب فاعل لم يكن للفعل وجود، كذلك إذا كان هو الإله المعبود المقصود، فإذا جعل معه من يشرك به، وعبادة ذلك فاسدة باطلة، لم يَصِرْ هو معبودًا بذلك العمل، وما عمل لذلك الغير باطل فاسد، فلا يكون الفعل عبادةً ولا عملاً صالحًا، فلا يتقبل. ولا يمكن أن يقال: لِمَ لا أخذَ نصيبه منه؟ لأنه مع تقدير الاشراك يمتنع أن يكون له منه شيء، كما أنه بتقدير الإشراك في الربوبية يمتنع أن يصدر عنه شيء، فإن الغير لا وجود له، وهو لم يستقلَّ بالفعل، كذلك هنا هو لم يستقل بالقصد، والغير لا ينفع قصده. ولهذا نظائر كثيرة في الشرعيات والحسيّات إذا خُلِط بالنافع الضارُّ أفسده، كما يُخلَط الماء بالخمر، بخلاف الشركة الصحيحة، كاشتراك الناس فيما يصلح اشتراكهم فيه، فإن هذا لا يضر.

يُبيِّن هذا أنه لو سأل الله شيئًا فقال: اللهم افعلْ كذا أنتَ وغيرُك، أو دعا الله وغيرَه فقال: افعلا كذا= لكان هذا طلبًا ممتنعًا (١)، فإن غيره لا يشركه، وهو على هذا التقدير لا يكون فاعلاً له، لأن تقدير وجود الشريك يمنع أن يكون هو أيضًا فاعلاً، فإذا كان يمتنع هذا في الدعاء والسؤال، فكذلك يمتنع في العبادة والعمل أن يكون له ولغيره. وقد مرَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسَعْدٍ وهو يدعو ويشير بإصبعين، فقال: "أَحِّدْ أَحِّدْ" (٢).


(١) في الأصل: "طلب ممتنع".
(٢) أخرجه أبو داود (١٤٩٩) والنسائي (٣/ ٣٨) من حديث سعد بن أبي وقاص. وإسناده صحيح. وأخرجه الترمذي (٣٥٥٢) والنسائي (٣/ ٣٨) من=