للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن فلان عن فلان، إني لأراه مؤمنًا، فقال: "أو مسلمًا" مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: "إني لأعطِي الرجلَ وأَدعُ من هو أحبُّ إليَّ منه، أُعطِيه لما في قلبه من الهلَع والجزَع" أو كما قال.

فامرأة لوط كانت منافقةَ كافرةً في الباطن، وكانت مسلمة في الظاهر مع زوجها، ولهذا عُذِّبت بعذاب قومِها. فهذه حال المنافقين الذين كانوا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مستسلمين له فيَ الظاهر، وهم في الباطن غير مؤمنين. والأعراب قد نَفى الله عنهم الإيمان بقوله (لَمْ تُؤْمِنُوا)، وأمرهم أن يقولوا: أسلمنا، ثم قال: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ). و"لمَّا" يُنفَى بها ما يفوت وجودُه ويُنتظَر وجودُه، فيكون دخولُ الإيمان في قلوبهم منتظَرًا مَرجُوا، وقد قال لهم: (وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) وظاهره أنهم إذا أطاعوه في هذه الحال أُثيبوا على الأعمال. ثم قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)) (١).

وهذا هو الإيمان الواجب، وقد يكون مع كثير من الناس شيء من الإيمان ولم يَصِلْ إلى هذا، كالذين قال فيهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يَخرجُ من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الخير ما يزن ذرةً، أو من كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من إيمان " (٢). فسَلْبُ الإيمان عنهم لا يقتضي سلبَ هذا المقدار من الإيمان، بل هذه الأجزاء اليسيرة من الإيمان قد يكون في العبد ولا يَصِلُ بها إلى الإيمان الواجب، فإنه إذا انتفت عنه جميع


(١) سورة الحجرات: ١٥.
(٢) أخرجه البخاري (٤٤) ومسلم (١٩٣) من حديث أنس.