للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقصودة، ولهذا يجب له في القرض مثل ما أ قرضه على صفته، وكذلك في الإتلاف، لأنه في القرض لم يقصد البيع، وإنما قصد نفعه، فهو بمنزلة العارية. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «منيحة الورق» (١)، ويقال فيه: أَعِرْني دراهمك، فهو يستعير تلك الدراهم ينتفع بها مدة ثم يردُّها، وعينها ليست مقصودة، ويرد جنسها، كما في القراض يرد رأس المال، ثم يقتسمانِ الربح، وعين ما أعطاه ليس مقصودًا، بل المقصود الجنس. فهذه أمورٌ معقولة جاءت بها الشريعة في مصالح الناس.

ولما خفيت علة تحريم الربا أباحه مثلُ ابن عباس حبر الأمة ومثلُ ابن مسعود، فإن الحنطة الجيدة والتمر الجيد يقال لصاحبه: ألْغِ صفاتِ مالك الجيدة، لكن لما كان المقصود أنك لا تتَّجر فيها لجنسها، بل إنْ بِعْتَها لجنسها فلتكن بلا ربح ولا إلى أجل ظهرت الحكمة، فإن التجارة في بيعها لجنسها تُفسِد مقصودَ الأقوات على الناس. وهذا المعنى ظاهر في بيع الدراهم بالدراهم، وفي بيع التِّبر بالدراهم، لأن التبر ليس فيه صنعةٌ تُقصَد لأجلها، فهو بمنزلة الدراهم التي قُصِد أن لا تفضل على جنسها، ولهذا جاء في الحديث: «تِبْره وعينُه سواء» (٢).


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٢٨٥، ٢٩٦، ٣٠٠، ٣٠٤) والترمذي (١٩٥٧) من حديث البراء بن عازب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٤٩) والنسائي (٧/ ٢٧٦) من حديث عبادة بن الصامت.