قال حرب الكرماني: ثنا سعيد بن منصور، ثنا عباد بن عباد، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن أُسَيد بن حُضَير توفي وعليه ستة آلاف درهم دَين، فدعا عمر بن الخطاب غُرَماءَه، فقبَّلَهم أرضَه سنين، وفيها الشجرُ والنخلُ.
وقد ذكر هذا الأثر عن عمرَ بعضُ المصنفين من فقهاء ظاهرية المغرب، وزعم أنه خلافُ الأجماع. وليس بشيء، بل ادّعاءُ الإجماع على جواز ذلك أقرب، فإن عمر فعلَ ذلك بالمدينة النبوية بمشهدِ من المهاجرين والأنصار، وهذه القضية في مظِنَّة الاشتهار، ولم يُنقَل عن أحدٍ أنه أنكرها، وقد كانوا يُنكِرون ما هو دونَها وإن فعلَه عمر، كما أنكر عليه عمران بن حُصَين وغيرُه ما فعلَه في متعة الحج. وإنما هذه القضية بمنزلة توريثِ عثمان بن عفان لامرأةِ عبد الرحمن بن عوف التي بَتَّها في مرض موته، وأمثال هذه القضية.
والذي فعلَه عمر بن الخطاب هو الصواب، [و] إذا تدبر الفقيهُ أصولَ الشريعة، تبيَّن له أن مثل هذا الضمان ليس داخلاً فيما نهى عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهذا يظهر بأمور:
أحدها أن يقال: معلوم أن الأرض يُمكنُ فيها الإجارةُ، ويُمكنُ فيها بيعُ حَبِّها قبلَ أن يشتدَّ، ثم إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما نهى عن بيع الحبِّ حتى يَشتدَّ (١) لم يكن ذلك نهيَا عن إجارة الأرض، فإن كان مقصودُ
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٢٢١، ٢٥٠) وأبو داود (٣٣٧١) والترمذي (١٢٢٨) وابن ماجه (٢٢١٧) من حديث أنس بن مالك.