للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثل الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما؛ فهم أشد الناس تعظيمًا لأصوله وقواعده، ومتابعةً له فيها. وهم متفقون على أن مذاهب أهل المدينة رأيًا ورواية أصحُّ مذاهب أهل المدائن الإسلامية في ذلك الوقت.

وكيف يستجيزُ مسلم يُطلِقُ مثلَ هذه العبارة الخبيثة، وقد اتفق سلفُ الأمة من الصحابة والتابعين على صلاة بعضهم خلفَ بعض، مع تنازعهم في بعض فروع الفقه، وفي بعض واجبات الصلاة ومبطلاتها. ومَن نهى بعضَ الأمةِ عن الصلاة خلفَ بعضٍ لأجل ما يتنازعون فيه من موارد الاجتهاد؛ فهو من جنس أهل البدع والضلال الذين قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١)، وقال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (٢)، وقال تعالى: (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) (٣)، إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف.

ودلَّتْ نصوصُ الكتاب والسنة وإجماع سلفِ الأمة أنّ وليَّ الأمر -إمام الصلاة، والحاكم، وأمير الحرب والفيء، وعامل الصدقة- يُطاعُ في مواضع الاجتهاد، وليس عليه أن يُطيعَ أتباعَه في مواردِ الاجتهاد، بل عليهم طاعتُه في ذلك وتَرْكُ رأيهم لرأيه، فإن مصلحة


(١) سورة الأنعام: ١٥٩.
(٢) سورة آل عمران: ١٠٣.
(٣) سورة آل عمران: ١٠٥.