للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكرنا أقوال الناس كلهم في ذلك في غير هذا الموضع (١)، وبَيَّنَّا أن قربَه لا يُنافِي عُلُوَّه.

الجواب الثالث

أن لفظ "التأويل" فيه اصطلاحات متعددة، فالتأويل الذي يتنازع فيه مُثبتة الصفات ونفاتُها المرادُ به صرفُ اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الَاحتمال المرجوح، وذلك لا يجوز إلا بدليلٍ يُوجِب ذلك.

وقد يُراد بلفظ التأويل تفسير اللفظ، وإن كان التفسير يوافق ظاهره. وهذا اصطلاح ابن جرير الطبري في تفسيره وابن عبد البر ونحوهما.

وقد يُراد بلفظ التأويل ما يَؤُوْلُ إليه اللفظ، وهو الحقيقة الموجودة في الخارج التي دلَّ الكلام عليها، وبهذه اللغة جاء القرآن، كقوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) (٢)، وقوله تعالي: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (٣)، وأمثال ذلك.

إذا عُرِف ذلك فنقول (٤): أما التأويل بالمعنى الثالث والثاني فلا نزاعَ فيه بين الناس. وأما التأويل بالمعنى الأول فيقال: هو صرف اللفظ عن ظاهرِه إلى ما يخالف ظاهرَه، أو عن حقيقته أو عن


(١) انظر "مجموع الفتاوى" (٥/ ٢٢٦ وما بعدها).
(٢) سورة الأعراف: ٥٣.
(٣) سورة آل عمران: ٧.
(٤) انظر الكلام على معنى التأويل عند المؤلف في "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٢٨٨ - ٢٩٤، ١٧/ ٣٦٤ وما بعدها، ٥/ ٣٥ - ٣٧، ٣/ ٥٥ - ٥٧، ٤/ ٦٨ - ٧٠).