للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

إذا ثبتَ هذا فظلمُ العبدِ نَفسَه يكون بتركِ ما ينفعُها وهي محتاجة إليه، أو بفِعْلِ ما يَضُرُها، كما أن ظلم الغير كذلك يكون إما بمَنْع حقِّه أو التعدِّي. والنفسُ إنما تَحتاجُ من العبد إلى فعل ما أمرَ اللهُ به، وإنما يضرُّها فعلُ ما نهى الله عنه، فظلمُها لا يَخْرُج عن تركِ حسنة مأمورٍ بها أو فَعْلِ سيئةٍ منهيٍّ عنها، وما يُضْطَرُّ العبدُ إليه من أكلٍ وشرب ولباس وغير ذلك هو داخلٌ في هذا، فإن جميع ذلك هو من الواجبات المأمورِ بها، حتى أكلُ الميتةِ عند الضرورة يجب في المشهورِ من مذهب الأئمة الأربعة، قال مسروق: مَنِ اضْطُرَّ إلى الميتةِ ولم يأكل حتى ماتَ دخلَ النار.

وكذلك ما يَضرُّها من جنسِ العبادات، مثل الصوم الذي يزيد في مرضها أو يَقتُلها، أو الاغتسال بالماء البارد الذي يَقتُلها ونحو ذلك، هو من ظلمها المحظور، فالله تعالى أمرَ العبادَ بما ينفعُهم ونهاهم عما يَضرُّهم، كما قال قتادةُ: إن الله لم يأمر العبادَ بما أمرَهم به حاجة إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بُخْلا به، ولكن أمرهم بما فيه صلاحُهم، ونهاهم عما فيه فسادُهم، ولهذا جاء القرآن بالأمر بالصلاح والنهي عن الفساد في غيرِ موضع.

والصلاح كلُّه في طاعة الله، والفسادُ كلُّه في معصيةِ الله، فالصلاح والطلاعة متلازمان، والمعصية والفساد متلازمان، كتلازُم الطيب والحِلّ، وكلُّ طيب حلال وكل حلالٍ طيّبٌ، وكل خبيثٍ