للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنكر ربّ العالمين، ولكن كان هو وقومه كما قال الله: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)) (١)، قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ٠ وقال له موسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) (٢).

وكان قدماء الجهمية الذين ينكرون أن يكون الله فوقَ عرشه يقولون: إنه بذاته في كلّ مكانٍ، وإنه حالٌ في كل مكانٍ، وهو رأيَ طائفةٍ من متصوفة الجهمية مثل الديلمي ونحوه، وأما علماء الجهمية وفضلاؤهم فلا يصفونه إلاّ بالسلب، ليس داخلَ العالم ولا خارجَ العالم، ولا هو فوقَ العرش ولا في العالم ونحو ذلك. وكان السلف وأئمة الدين يعلمون أن هذا القول يستلزم نفيَ ذاته، ويقولون: إنما يدورون على التعطيل.

وهذا هو الذي أوقعَ هؤلاء الملاحدة الاتحادية في زعمهم أنه هو هذا الوجود، فإن العابد لا يَقدِر أن يَعبُد إلاّ شيئًا موجودًا، فإن الإرادة والقصد لا يتعلق بمعدوم، بخلاف الوصف والكلام، فإنه يتعلق بموجود وبمعدوم. فالمتكلمون بالنفي إذا لم يُثبتوا وجودًا تكون قلوبهم خالية من تحقيق العبادة، لأن ذلك ليس هو مطلوبهم ومقصودهم، ولهذا يَغلِب عليهم القسوة والإعراض عن العبادة لله ولغيره، وأما أهل الإرادة والعبادة من الصوفية والعامة ونحوهم إذا لم يتوجهوا بقلوبهم إلى رب العالمين الذي وصفتْه رسلُه


(١) سورة النمل: ١٤.
(٢) سورة الإسراء: ١٠٢.