للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يُخفِيْ قومَه إسلامَه حتى سَعَوا في محاربته، ولم تكن شريعة الإسلام ظهرتْ هناك حتى يكونَ عنده من يُصلِّيْ عليه، لعدم صلاة القريب عليه. وهذا العذرُ أقربُ من الأول، وبه يَظهر تخصيصُ النجاشي بالصلاة دونَ غيرِه من الموتى.

ثم من قال هذا ولم يجوِّز الصلاةَ على الغائب بحالٍ نقضَ كلامَه، ومن قال هذا [و] جوَّز الصلاةَ على الغائب الذي لم يُصل عليه فقد أحسنَ فيما قال، ولعل قولَه أعدلُ الأقوال، فإن الشريعةَ استقرتْ على قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١)، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا أَمَرتكَم بأمر فَأْتُوا منه ما استطعتم" (٢). فما تعذَّر من العبادات سقط بالعجزِ، وإذا كانت الصلاة على الميت مأمورًا بها ولم تكنْ إلاّ مع الغَيبةِ كانتْ هي المأمورَ به.

وقالت طائفة: بل تجوز الصلاةُ على كل غائب عن البلد وإن كان قد صُلِّيَ عليه، كما ذكرناه عن أصحاب الشافعي وأكثر متأخري أصحاب أحمد، ثم قال هولاء: يجوز على الغائب عن البلد، سواء كان فوقَ مسافةِ القصر أو دونَها، وسواءٌ كان الميتُ خلفَ المصلِّي أو أمامه.

وأما الغائبُ في البلد الواحد فالأكثرون من أصحاب الإمامين مَنَعُوا الصلاةَ عليه، [و] لم يَرِدْ بها أثرٌ ولا نُقِلَ ذلك عن أحد من


(١) سورة التغابن: ١٦.
(٢) أخرجه البخاري (٧٢٨٨) ومسلم (١٣٣٧) عن أبي هريرة.