السلف، فالفاعلُ لها مبتدعٌ دِينًا لم يشرعْه الله، ولو ساغَ ذلك لم يكن لذلك ضابطٌ، بل كان يجوزُ أن يُصلِّي الرجل في هذه الدار أو الدَّرْبِ على من مات في هذا الدرب أو هذه الدار، ومعلومٌ أن هذا ليس من عمل المسلمين، ولو كان هذا جائزًا لكان قربةً، ولكان السلفُ يبادرون إليه، لاسيَّما ولا يزال في المسلمين من لا يُمكِنه شهودُ الجنازة من مريض ومحبوسٍ ومشغول. فلما لم يَفْعَل هذا أحدٌ من السلف عُلِمَ أنَّه غيرُ مشروع، وإنْ كانَ يُشرَعُ الدعاءُ للميتِ على كل حالٍ، بطهارة أو غير طهارة، إلى القبلة وغيرها، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، بتكبير وغير تكبيرٍ، وأما صلاةُ الجنازة فيُشتَرط لها الشروطُ الشرعية.
وجوَّزَ طائفة من أصحاب الإمامين الصلاةَ على الغائب في البلد الواحد، ثم محقِّقُوهم قيَّدوا ذلك بما إذا ماتَ الميتُ في أحد جَانِبَي البلدِ الكبير، ومنهم من أطلق في أحد جانبي البلد لم يُقيِّدها بالكبيَرة، كما إذا ماتَ في أحدِ جانبي بغدادَ فَصُلِّي عليه في الجانب الآخر. وكانت هذه المسألة قد وَقعتْ في عصر أبي حامد وأبي عبد الله بن حامد، مات ميت في أحد جانبي بغدادَ، فصلَّى عليه أبو عبد الله بن حامد، وطائفة في الجانب الآخر، وأنكر ذلك أكثرُ الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، كأبي حفص البرمكي وغيره، واتفق الفريقان على أنه من مات في الجانب الواحد لا يُصلَّى عليه فيه إذا كان غائبًا، كما إذا كان الرجل عاجزًا عن حضور الجنازة لمطرٍ أو مرضٍ فإنه لا يُصلِّي على الغائب وفاقًا.